بغداد ـ العالم
تجددت احتجاجات سائقي الشاحنات وأصحاب شركات النقل البري عند السيطرات الرابطة بين محافظة كركوك وإقليم كوردستان، ولا سيما عند سيطرة "جيمن"، بسبب الإجراءات الجمركية والتدقيق الأمني الذي يُجبرهم أحياناً على قضاء أكثر من يوم بانتظار عبورهم، ما تسبب بخسائر مادية وزمنية كبيرة وأثار استياءً واسعاً في أوساط العاملين بقطاع النقل.
يقول السائق نوري الزهراني، "نقف في طوابير طويلة، ومعظم الأحيان نُجبر على المبيت داخل الشاحنات بانتظار السماح لنا بالعبور. هذا يستهلك وقتنا ويعرّضنا لخسائر مادية لأننا مرتبطون بمواعيد تسليم دقيقة".
أما حسن البغدادي، صاحب إحدى شركات النقل، فيؤكد أن الإشكالية لا تتعلق فقط بالرسوم الجمركية، بل تمتد إلى آليات التفتيش الأمني، موضحاً: "نحن لا نعارض التدقيق الأمني، لكننا نرفض أن يبقى السائق ساعات أو يوماً كاملاً بانتظار ختم ورقة أو توقيع. هذا يضر بسمعة النقل البري ويضعف الثقة بين التاجر والسائق".
من جهته، يشير السائق خلدون الشمري إلى أن الاعتصامات والاحتجاجات جاءت نتيجة "التعسف الإداري"، على حد تعبيره. ويقول: "هناك شاحنات تمر بسهولة، بينما نُحتجز نحن لساعات طويلة من دون تفسير واضح. نحن نطالب بتطبيق القوانين بشكل عادل على الجميع".
وفي خضم هذه الأزمة، كشف محافظ كركوك ريبوار طه عن تحركات رسمية على أعلى مستوى لمعالجة الموقف. وأوضح أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع سكرتير القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الكريم السوداني، طالب فيه بإرسال لجنة رفيعة المستوى للتحقيق في أسباب الزخم عند السيطرات وإيجاد حلول عاجلة. ويقول المحافظ إن "الاختناقات المرورية تعود إلى كثافة الشاحنات والضغط على نقاط السيطرة، ما يؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة والإمدادات في كركوك، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية".
وبحسب طه، فقد أكد الفريق السوداني أن اللجنة ستصل إلى كركوك خلال الأسبوع الجاري، على أن تتولى دراسة الموقف ميدانياً ووضع حلول عملية لتخفيف الزخم المروري وتنظيم حركة الشاحنات، بما يضمن تحسين النقل وحماية مصالح المواطنين والتجار.
تُعد كركوك ممراً حيوياً للتجارة بين وسط العراق وشماله، ومرتكزاً لخطوط الإمداد الرئيسية مع إقليم كوردستان، وأي تعطيل لحركة النقل عبرها ينعكس مباشرة على الأسواق المحلية، حيث ترتفع أسعار المواد الغذائية والإنشائية بسبب زيادة كلف النقل.
وفي هذا السياق، يحذر الخبير الاقتصادي علي عبد الله من أن استمرار الأزمة قد يتسبب بخسائر كبيرة للاقتصاد المحلي. ويقول: "الزخم عند سيطرة جيمن لا يعرقل فقط حركة النقل بين كركوك والإقليم، بل يؤثر أيضاً على تدفق إمدادات الطاقة والبضائع الإستراتيجية. وفي ظل هذه الظروف، ترتفع كلف النقل ويزداد الضغط على الأسواق، ما ينعكس مباشرة على المستهلك". ويرى عبد الله أن الحل يكمن في "تنسيق مشترك بين بغداد وأربيل لتوحيد الإجراءات الجمركية والأمنية"، مشدداً على أن أي "ازدواجية في الصلاحيات ستظل عبئاً على قطاع النقل والتجارة".
ويرفع السائقون المحتجون عدة مطالب أبرزها: إلغاء الرسوم الإضافية التي تفرضها الجمارك، وتبسيط الإجراءات الأمنية بما يضمن انسيابية العبور من دون تأخير، إلى جانب إشراك الشرطة المحلية في تنظيم حركة السير والإشراف على السيطرات، للحد من التجاوزات وضمان العدالة في التطبيق.
ويؤكد السائقون أن احتجاجاتهم ستتواصل لحين الاستجابة لمطالبهم، مشيرين إلى أن الأزمة لم تعد مجرد مشكلة تخصهم كقطاع، بل باتت تؤثر على جميع المواطنين من خلال ارتفاع الأسعار وتأخر وصول المواد إلى الأسواق.
يرى مراقبون أن إرسال لجنة حكومية رفيعة المستوى إلى كركوك خطوة مهمة، لكنها تحتاج إلى إجراءات عملية وسريعة على الأرض. فاللجنة مطالبة بالبحث عن معادلة متوازنة تضمن من جهة متطلبات الأمن الوطني، ومن جهة أخرى انسيابية حركة التجارة.
ويشدد الخبير علي عبد الله على أن أي حل مستدام "يجب أن يشمل إعادة تنظيم السيطرات على الطرق الدولية، وتحديث البنية التحتية للمنافذ، وإقرار آلية شفافة لجمع الرسوم بعيداً عن التكرار أو الازدواجية".
وبين احتجاجات سائقي الشاحنات واستجابة الحكومة بإرسال لجنة للتحقيق، يبقى ملف سيطرة "جيمن" عنواناً لأزمة متجددة تجمع بين هواجس الأمن وحاجة الاقتصاد إلى الانسيابية. وحتى تتحول الوعود الرسمية إلى إجراءات ملموسة، سيظل السائقون والتجار والمواطنون بانتظار حلول تنهي معاناتهم وتعيد الثقة بقطاع النقل البري.