بغداد ـ العالم
بدأت حكاية رقية محمد من مقعد دراسي في المرحلة الإعدادية، حين تشكّلت لديها صورة واضحة عن مستقبلها: أن تكون صاحبة مشروع خاص، وتدير عملها بيدها. اليوم، وبعد سنوات من التجربة والمثابرة، تحوّل حلمها إلى حقيقة ملموسة في شكل مشروع "صابون رقية"، علامة تجارية عراقية مسجّلة رسميًا، ومن وصفات منزلية بسيطة إلى خطوط إنتاج منظمة، تحظى بدعم عائلي واعتراف رسمي، حيث كرّمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضمن فعاليات يوم الوظيفة الوطني، باعتبار قصتها نموذجًا للإصرار والإبداع. توضح رقية أن شغفها بالمنتجات الطبيعية، وتحديدًا صابون العناية بالبشرة، بدأ بدافع شخصي: "أردت تقديم منتج يمكنني استخدامه بثقة، خالٍ من أي آثار سلبية". ومن غرفة صغيرة في منزلها، تحوّل المشروع إلى ورشة عمل، مجهزة بأدوات دقيقة، موازين، دفاتر ملاحظات، وأقوالب سيليكون. المحاولات الأولى لم تنجح، لكنها أمدتها بالمعلومات الضرورية حول زمن التصبين، درجة الحرارة، إضافة الزيوت العطرية، ودرجة القلوية، لتنتقل تدريجيًا إلى إنتاج دفعات قابلة للتوزيع. تعتمد رقية نهجًا علميًا صارمًا في تصنيع منتجاتها. فكل وصفة تتضمن نسبًا دقيقة من الزيوت والأعشاب الطبيعية المعروفة بخصائصها التجميلية والعلاجية، ويُسجَّل كل عنصر من حرارة المزج إلى وقت "التصبين" ومدة التجفيف، ضمن نظام جودة واضح يضمن اتساق المنتج بين الدفعات. كما تأخذ في الاعتبار اختلاف أنواع البشرة، فتقسم منتجاتها بحسب النوع: جافة، دهنية، حساسة، أو معرضة لمشكلات جلدية، مع تقديم خط علاجي لكبار السن والأطفال الذين يعانون من الإكزيما أو الصدفية أو الثعلبة، مع الالتزام بنصائح طبية عند الضرورة. سلاسل التوريد أيضًا تحظى بمتابعة دقيقة؛ فتختار رقية زيوت وأعشابًا طبيعية من المزارع مباشرة، مع طلب شهادات المنشأ ومتابعة مواعيد الحصاد وطرق التجفيف والتخزين. تُجرى اختبارات حسّية داخل الورشة قبل اعتماد المورد، لضمان الجودة والاتساق مع هوية المنتج الطبيعي. وبحسب رقية، نجاح المنتج يعتمد على التوازن بين شفافية المكونات، اتساق الجودة، وتواضع الوعد أمام المستهلك، إضافة إلى متابعة ما بعد البيع. تُوزَّع المنتجات عبر متجر إلكتروني وأسواق محلية، مع جمع الملاحظات عبر استبيانات ورسائل العملاء لتحسين الصياغات وتلبية متطلبات السوق. وتركز رقية على تكييف المنتج مع تفضيلات المستهلك: بعضهم يفضل رائحة خفيفة، وآخرون بلا رائحة، مع الحفاظ على هوية الصابون الطبيعي. ولم يكن الطريق سهلاً، تقول رقية: "تعلمت من كل دفعة، وكل خطأ في الوزن أو التوقيت، وكل ملاحظة من العملاء". ولعل أكثر ما يعتز به هو تسجيل المنتج رسميًا والاعتراف الرسمي بمشروعه، ما يبرهن على أن الجهد والمثابرة قادران على تحويل فكرة بسيطة إلى علامة تجارية ناجحة.
مشروع رقية محمد لا يمثل مجرد صابون طبيعي، بل نهج حياة صحي يحترم البشرة ويقدّر الصدق مع المستهلك. وتسعى العلامة المحلية إلى التوسع في النماذج الصغيرة للتجربة، وتوسيع كتيّبات الإرشاد، لتصبح جزءًا من اقتصاد العناية الشخصية في العراق، القائم على المعرفة الحِرَفية والشفافية، ويعكس قدرة الشابات العراقيات على تحويل الأفكار البسيطة إلى قصص نجاح ملهمة.