بغداد – العالم
عقد الإطار التنسيقي، مساء أمس الاثنين، اجتماعاً موسعاً في بغداد حضره جميع قادة قواه الرئيسية، إلى جانب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في اجتماع يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه البداية الفعلية لترتيب المشهد السياسي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومحاولة لتجاوز الأسابيع التي سادها الغموض والتباين الداخلي حول شكل الحكومة المقبلة وهوية رئيسها. واكتسب الاجتماع أهميته من كونه الأول الذي يجلس فيه السوداني داخل الإطار منذ إعلان النتائج الأولية، بعد غيابه عن اجتماعات سابقة أثارت تساؤلات بشأن طبيعة العلاقة بينه وبين بعض القوى المؤثرة في الإطار خلال مرحلة ما قبل الاقتراع وبعده.
وأوضح المصدر لـ«العالم» أنّ هذا الاجتماع لم يكن مجرد لقاء دوري يُعقد مساء كل اثنين، بل جاء هذه المرة محمّلاً بملفات مفتوحة، أهمها تقييم نتائج الانتخابات وانعكاساتها على توازنات القوى داخل الإطار، ورسم الخطوط الأولية لخارطة الطريق الخاصة بالمرحلة الدستورية المقبلة، ولا سيما ما يتعلق بمسألة «الكتلة الأكبر» التي ستتولى تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. وبيّن المصدر أن حضور السوداني كان مؤشراً واضحاً على عمق النقاشات المتوقعة داخل الإطار، خصوصاً في ظل انقسام بعض القوى بين من يدعم تجديد ولايته بوصفه المرشح الأكثر قدرة على ضمان استقرار حكومي، وبين من يرى أن المرحلة المقبلة قد تحتاج إلى مقاربة جديدة وشخصية أخرى تقود السلطة التنفيذية.
وشهدت مداولات الاجتماع، وفق ما نقلته شخصيات مطلعة، نقاشاً موسّعاً حول قراءة الإطار لمشهد ما بعد الانتخابات، في ظل تقدّم ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يتزعمه السوداني، وما أحدثه هذا التقدم من إعادة توزيع للتوازنات داخل البيت الشيعي. فقد أظهرت النتائج الأولية أن السوداني بات يمسك بثقل انتخابي لا يمكن تجاوزه في صناعة القرار المقبل، الأمر الذي دفع بعض القوى إلى إعادة تقييم موقفها من الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة. وفي مقابل هذه القراءة، لطالما عبّرت أطراف أخرى داخل الإطار عن تحفظات بشأن إدارة السوداني لبعض الملفات خلال ولايته الأولى، وخاصة ما يرتبط بملف الفصائل وإدارة التوازنات الإقليمية والتحركات الخارجية التي اعتبرتها قوى محددة تميل إلى توسيع هامش استقلال الحكومة على حساب النفوذ الحزبي التقليدي.
ووفق شهادات سياسية مسرّبة من داخل الاجتماع، فإن النقاش لم يقتصر على أداء الحكومة خلال الفترة الماضية، بل امتدّ ليشمل أسئلة أعمق تتعلق بمستقبل العلاقة بين السوداني والإطار، وكيف يمكن إعادة صياغة هذه العلاقة بطريقة تضمن تماسك المكوّن الشيعي في مرحلة حساسة تشهد فيها البلاد انتقالاً دستورياً دقيقاً. كما تناول الاجتماع، بحسب مصادر حضرت أجزاء من مداولاته، مسألة التحالفات البرلمانية المقبلة، في ظل حراك ملحوظ للقوى السنية والكردية التي تسعى منذ أيام إلى ترتيب مواقفها قبل الدخول في مفاوضات رسمية مع القوى الشيعية، وتبحث عن ضمانات واضحة بشأن حصتها في الوزارات السيادية والمناصب العليا.
ولم يغب عن الاجتماع الحديث عن قرار المحكمة الاتحادية الأخير الذي أنهى ولاية البرلمان السابق وحوّل حكومة السوداني إلى حكومة تصريف أعمال، وهو تطور فرض إيقاعاً زمنياً أسرع على عملية التفاوض السياسي. فالإطار يدرك أن أي تأخير في تحديد موقفه من رئاسة الوزراء قد يفتح الباب أمام سجالات دستورية حول مفهوم «الكتلة الأكبر» وآليات التكليف، وهو سيناريو يحاول قادة الإطار تجنّبه عبر تسريع النقاش الداخلي والوصول إلى رؤية أولية قبل بدء جولات التفاوض الرسمية مع القوى الأخرى.
أما على مستوى التفاصيل الداخلية، فتشير مصادر مطلعة إلى أن الاجتماع شهد تداول مقترحات لتشكيل لجان تفاوضية موحدة، تتولى إدارة الملف الخارجي للإطار، سواء في الحوار مع الكتل السنية والكردية، أو في معالجة التفاهمات الداخلية التي ينبغي تثبيتها قبل الذهاب إلى جلسة البرلمان الأولى. كما طرحت بعض القوى ضرورة وضع «مدوّنة تفاهم» داخلية تنظّم العلاقة بين رئيس الوزراء المقبل والإطار، وتحدد حدود الصلاحيات ومساحات التأثير الحزبي داخل مؤسسات الدولة، في محاولة لمنع تكرار التباينات التي شهدتها المرحلة الماضية.
ورغم أن الاجتماع لم يُحسم بشكل نهائي في شأن إعادة ترشيح السوداني، إلا أنّ المؤشرات الأولية توحي بأن الإطار يحاول الموازنة بين ثقل النتائج التي حققها ائتلافه، وبين حرص بعض القوى على إحداث تغييرات في بنية السلطة التنفيذية. ويرى مراقبون أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح الاتجاه النهائي، خصوصاً أنّ القوى السنية والكردية بدأت فعلياً في فتح قنوات اتصال مع القوى الشيعية، وأن السباق نحو الكتلة الأكبر بات يفرض إيقاعاً سياسياً سريعاً على الجميع.
وعلى الرغم من اختلاف التوجهات داخل الإطار، إلا أنّ الاجتماع بدا محاولة جادّة لإعادة ترتيب البيت الداخلي قبل الدخول في تفاصيل الاستحقاق الحكومي، وسط تقديرات تشير إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد جولات تفاوض مكثفة قد تستمر لأسابيع، بانتظار تبلور خريطة التحالفات، وحسم أسماء مرشحي الرئاسات، وتحديد طبيعة البرنامج الحكومي الذي سيُعرض على القوى السياسية والرأي العام. وفي ظل هذا المشهد المعقّد، يظهر الاجتماع الذي عقد مساء أمس بوصفه خطوة أولى نحو تجاوز التباينات وتثبيت أرضية مشتركة تُبنى عليها المرحلة السياسية المقبلة، سواء انتهت بتجديد ولاية السوداني أو بانتقال الإطار إلى خيارات بديلة.