بغداد ـ العالم
من مدينة الزبير جنوب غربي البصرة، ما زالت الدشداشة الزبيرية تحافظ على مكانتها بوصفها أحد أبرز رموز الهوية المحلية وأعمقها حضوراً في الذاكرة الاجتماعية. فالزي الذي ارتبط بأهالي المدينة على مدى عقود طويلة ما يزال يرافقهم في مختلف المواسم والمناسبات، صيفاً وشتاءً، مع تبدّل بسيط في طبيعة الأقمشة والألوان، لكنه يحتفظ بروحه التقليدية التي تميّزه عن أي زي آخر في جنوب العراق. في أسواق الزبير القديمة والحديثة، تبدو هذه الدشداشة أشبه بنقطة التقاء تجمع السكان والوافدين من محافظات الجنوب، ممن يقصدون المدينة خصيصاً للتسوّق من محالها المعروفة بتقديم الدشاديش المفصّلة والجاهزة على حدّ سواء. ورغم تطور أساليب البيع وتنوع الخيارات، إلا أن طابع الزبير التقليدي لا يزال يغلب على الحركة التجارية، ما أكسب المدينة سمعة خاصة في هذا المجال. يقول سالم الصرايفي، صاحب أحد محال بيع الدشاديش الجاهزة، إن المنافسة هذا الموسم تميل لصالح الدشداشة الإماراتية التي تقدم موديلات شبابية جذابة، متفوقة على الكويتية التي كانت تسيطر على السوق في مواسم سابقة. ويوضح أن أغلب الزبائن يميلون إلى الألوان الداكنة خلال الشتاء مثل الكحلي والرمادي والأسود، فيما يعود الأبيض ليكون اللون الأول في الصيف. أما الأسعار فتتراوح بين 25 و45 ألف دينار، وفقاً لنوعية القماش وجودة الخياطة.
ورغم انتشار الجاهز بشكل واسع بين الشباب، فإن شريحة من الزبائن لا تزال تفضّل اللجوء إلى الخياطين القدامى الذين يوفّرون لمسة شخصية لا يمكن أن تقدمها الدشاديش الجاهزة. الخياط أبو حيدر يؤكد أن الزبائن الذين يطلبون التفصيل ما زالوا يعتمدون على الأقمشة المستوردة ذات الجودة العالية، مثل الهندي والياباني والإنكليزي. ويضيف أن “اللقط اليدوي” في الياقة والأكمام يمنح الدشداشة قيمة أكبر ويجعلها تبدو أكثر فخامة، مشيراً إلى أن أسعار التفصيل تتراوح بين 75 و150 ألف دينار بحسب نوع القماش ودقة العمل.
وتشهد الزبير حركة تسوق لافتة من زوار المحافظات مثل ذي قار وميسان والبصرة نفسها، الذين يؤكدون أن ما يجدونه في أسواق الزبير من موديلات شبابية جاهزة مستوردة من الإمارات والكويت غير متوفر في محافظاتهم، سواء من حيث نوع القماش أو طريقة الفصال أو حتى الأسعار التي تكون غالباً أقل.
أحد الشباب تحدث قائلاً إنهم يلجؤون إلى الدشداشة الجاهزة في معظم المناسبات، لأنها تمنحهم مظهراً أنيقاً وفصالاً ينسجم مع الذوق العصري، ومع ذلك فإنهم يظلّون متمسّكين بالهوية الزبيرية، معتبرين أن زيّهم التقليدي جزء من شخصيتهم وتميّزهم عن غيرهم. ويرى عدد من أصحاب المحال أن صناعة الدشداشة في الزبير لم تعد مجرد نشاط تجاري، بل أصبحت مكوّناً اقتصادياً وتراثياً يرفد السوق المحلي ويُبقي على حرفة الخياطة التقليدية حيّة عبر الأجيال. فبالرغم من دخول الماكينات الحديثة وتطور التصاميم، إلا أن روح التراث لا تزال حاضرة، من خلال أساليب الخياطة اليدوية، وطريقة ضبط الياقة، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة التي تعطي الدشداشة الزبيرية طابعها الخاص. ومع كل هذا التزاوج بين الأصالة والحداثة، تبقى الدشداشة الزبيرية أكثر من مجرد قطعة قماش؛ إنها هوية متوارثة، وتراث يعيد تعريف نفسه باستمرار، وميزة لا تزال تشكّل جزءاً أصيلاً من ملامح الزبير وسكانها.