بغداد ـ ياسر الربيعي
منذ العام 2003 تحتكر شركات (زين، آسياسيل وكورك) خدمات الاتصال بالعراق، وتنجح في وأد أي مشروع وطني يحاول تأميم جزء من إيرادات تلك الشركات والتي تزيد على 4 مليارات دولار سنويا.
ويبلغ عدد المشتركين أكثر من 41 مليون مشترك. ورغم مؤشرات النمو، بقيت جودة الخدمة ضعيفة، والأسعار مرتفعة، والرقابة غائبة، ما عزّز الدعوات نحو مشغّل وطني حكومي يعزز المنافسة ويحدّ من الاحتكار.
ويشهد سوق الاتصالات العراقي هيمنة ثلاث شركات رئيسية: زين العراق (46%)، آسياسيل (45%)، وكورك تيليكوم (9%).
ومنذ العام 2018، تكررت الوعود بإطلاق الرخصة الرابعة في حكومات العبادي وعبد المهدي والكاظمي، وصولاً إلى حكومة محمد شياع السوداني التي اتخذت خطوات متقدمة: في 2019 أعلنت هيئة الإعلام والاتصالات إنجاز 60% من إجراءات الرخصة. وفي 2023 جرت الموافقة على إطلاق رخصة وطنية بتقنية الجيل الخامس. وفي 2024 تم اختيار شركة فودافون مشغلاً للرخصة الوطنية، حيث بدأت في شهر شباط من العام ذاته مفاوضات فنية – مالية، وفي تشرين الاول تم تقيع بيان عمل. وفي بداية 2025 جرى توقيع مذكرة تفاهم قبل أن يتم إيقاف المشروع قضائياً.
وفي 11 آذار 2025، وافق مجلس الوزراء على تأسيس شركة “الوطنية للهاتف النقال” لتشغيل شبكة الجيل الخامس بالشراكة مع فودافون. ومع ذلك، لم يتحرك المشروع عملياً بسبب ضغوط وشكاوى رفعتها الشركات الحالية، وقرارات قضائية بإيقاف التنفيذ مؤقتاً.
يرى خبراء أن الشركات الحالية تخشى منافساً حكومياً مدعوماً بإمكانات الدولة.
يقول ماهر الخليلي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، إن الشركات “ترى في دخول شركة حكومية منافسة غير عادلة لأنها تمتلك امتيازات بنيوية لا تتوفر للشركات الخاصة”.
ويشير الخليلي إلى أن الشركات استندت لاتفاقات أبرمت بعد 2003 كان لها طابع حصري، وهو ما يضع الحكومة أمام تحديات قانونية معقدة.
وبحسب الباحث الاقتصادي نبيل جبار التميمي، فإن وزارة الاتصالات لجأت إلى فودافون بسبب “ضعف الإمكانيات الفنية للوزارة وعدم قدرتها على تشغيل شبكة وطنية بشكل مستقل”.
لكن دخول فودافون — إحدى أكبر الشركات العالمية — أثار مخاوف الشركات الحالية من خسائر قد “تلتهم جزءاً كبيراً من حصصها السوقية”، ما دفعها، بحسب التميمي، إلى تبني موقف معارض عبر أطراف سياسية تمارس ضغطاً مباشراً على الحكومة.
بحسب لجنة النقل والاتصالات في البرلمان، فإن الشركات الثلاثة مدينة للحكومة بمبالغ ضخمة تتجاوز: 429 مليار دينار ديوناً مباشرة، وهناك مليارات أخرى ضرائب ورسوم متراكمة.
وقال عضو اللجنة زهير شهيد الفتلاوي إن ما بذمة الشركات “يمكن أن يغطي 50% من رواتب موظفي الدولة”، متهماً جهات نافذة بـ”حماية الشركات ومنع محاسبتها”.
وازدادت حدة التوتر في السوق بعد أن قررت هيئة الإعلام والاتصالات قطع خدمة الإنترنت عن كورك تيليكوم، ما تسبب بأضرار واسعة في إقليم كردستان، وأثار موجة استياء شعبية وشركاتية، وسط غياب مبررات رسمية واضحة للقرار.
وأحالت لجنة النزاهة ملف كورك وآسياسيل وزين إلى التحقيق، وسط اتهامات بالتلاعب والمخالفات.
وكانت وزارة الاتصالات أعلنت أن نسبة مستخدمي الإنترنت بلغت 82.9% في نهاية 2024، مقارنة بـ 44.3% في عام 2019. وبرغم هذا النمو الهائل، بقيت الخدمات “متراجعة، وبأسعار مرتفعة، وبلا تنظيم فعلي للسوق”، وفق مختصين.
يرى أغلب الخبراء أن الرخصة الرابعة “جاهزة فنياً”، لكن حسمها مرهون بتشكيل الحكومة الجديدة، والتفاهم مع الشركات الثلاث، ومعالجة الاعتراضات القضائية، الى جانب الاتفاق على البنى التحتية مع شركة “إيرثلنك”.
ويرجح الخبراء أن المشروع سيتحرك بعد تشكيل الحكومة القادمة، وأن فودافون ستبقى الخيار الأقرب، ما لم تفرض التوازنات السياسية مساراً آخر.
وبات ملف الاتصالات في العراق عنواناً لصراع معقّد يتداخل فيه النفوذ الإقليمي ومصالح الشركات الكبرى والضغط السياسي، والضعف الحكومي الفني، والأزمات القانونية. لكن ما يتفق عليه الجميع هو أن العراق بحاجة إلى مشغّل وطني يكسر الاحتكار، ويحسّن الخدمة، ويعزز الإيرادات غير النفطية وسط اقتصاد يعتمد بنسبة تفوق 90% على النفط.