بغداد – العالم
وضع على مكتب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، تقييم أمني عاجل يرجّح أن تكون الجبهة العراقية الهدف المقبل لإسرائيل في أي خطوة تصعيدية مقبلة على صعيد المنطقة.
واستندت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب إلى معلومات دقيقة قدمتها المخابرات العراقية ومستشارية الأمن القومي، وأحيلت مباشرة إلى رئيس الوزراء بصفته رئيس المجلس الوطني للأمن.
وجاء في التقييم أن تل أبيب إذا ما قررت فتح جبهة جديدة في سياق المواجهة مع إيران، فإن العراق سيكون الخيار الأول، على اعتبار أنه الساحة التي تشهد النشاط الإيراني الأكبر في الوقت الحالي، وخصوصاً بعد تراجع الحضور الإيراني المباشر في الساحة السورية.
وأشارت الجهات الأمنية العراقية في تقاريرها إلى أن إسرائيل ترى في العراق العمق الاستراتيجي لحزب الله اللبناني، وهو ما يعزز دوافعها لاعتبار الأراضي العراقية ساحةً بديلة أو مكمّلة للمواجهة مع إيران. هذا التحليل يتقاطع مع ما يردده خبراء إقليميون من أن الساحة السورية لم تعد مهيأة كما في السابق لاستيعاب النفوذ الإيراني أو لتمرير الإمدادات اللوجستية لحلفاء طهران.
بالتوازي مع هذا التقييم الأمني، أعلنت الحكومة عن بدء تحرّك دبلوماسي ودولي واسع لبناء منظومة دفاع جوي حديثة. ووفقاً لمصادر رسمية، فإن وزارة الدفاع فتحت قنوات مع عدد من الدول الغربية والشرقية للحصول على منظومات متقدمة قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بالطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى.
ويرى مراقبون أن هذا التحرك يعكس إدراكاً متزايداً لدى بغداد بأن الساحة العراقية قد تدخل ضمن الحسابات الاستراتيجية لتل أبيب وطهران على حد سواء، ما يفرض ضرورة امتلاك قدرات ردع فاعلة لحماية الأجواء والمنشآت الحيوية.
وفي السياق نفسه، نشر موقع Task & Purpose الأمريكي تقريراً حذر فيه من أن العراق قد يتحوّل في المستقبل القريب إلى ساحة لتصفية الحسابات بين إسرائيل وإيران، خصوصاً في ظل التصعيد المتنامي في الإقليم.
وأشار التقرير إلى أن قرار الكونغرس الأمريكي في وقت سابق بسحب تفويض استخدام القوة لعام 2002 قد يفضي إلى تغييرات في قواعد الاشتباك، الأمر الذي قد يدفع واشنطن وحلفاءها لإعادة رسم خيارات الردّ العسكري. هذا التطور، بحسب التقرير، قد يفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيدية تمتدّ إلى العراق ولبنان وسوريا.
التقرير الأمريكي لفت أيضاً إلى أن احتمالات انخراط أطراف إقليمية في المواجهة ستزداد إذا ما وقعت هجمات أو عمليات انتقامية تُنسب لإيران أو لوكلائها داخل العراق. مثل هذه التطورات، بحسب الخبراء، قد تمنح مبرراً لتدخلات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة من جانب قوى دولية وإقليمية، بما في ذلك إسرائيل.
ويستند التحذير إلى معطيات تشير إلى أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق سبق أن هددت باستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية إذا توسع الصراع، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني وقدرة تلك الجماعات على تحويل العراق إلى ساحة مواجهة.
لم يقتصر التقرير الأمريكي على السيناريوهات التقليدية للمواجهة، بل أكد أن التصعيد المحتمل لن يبقى محصوراً في الجبهات البحرية أو الحدودية، بل قد يتجلى عبر هجمات بطائرات مسيّرة أو استهداف مباشر لمنشآت نفطية وبنى تحتية عراقية.
وسبق للعراق أن شهد هجمات من هذا النوع خلال السنوات الماضية، كان لها أثر مباشر في زيادة حدة التوترات الإقليمية، خصوصاً في ظل حساسية ملف الطاقة ودوره في الاستقرار الاقتصادي.
على الصعيد الداخلي، يثير هذا السيناريو قلقاً متزايداً لدى الأوساط السياسية والشعبية العراقية. فالعراق الذي يمر بتحديات معقدة على مستوى الأمن والاقتصاد والخدمات، قد يجد نفسه في حال تحققت التوقعات، أمام تحدٍّ إضافي يتمثل في تحمل تبعات أي مواجهة عسكرية إقليمية.
ويرى خبراء أن أي استهداف إسرائيلي محتمل لمواقع داخل العراق سيؤدي إلى تصعيد سياسي داخلي ويعزز الانقسامات بين القوى المؤيدة لإيران وتلك الداعية إلى سياسة النأي بالنفس.
وخلص التقرير الأمريكي إلى أن مستقبل المشهد يتوقف على التوازن بين الخيارات السياسية والدبلوماسية من جهة، والردع العسكري من جهة أخرى. فإما أن تنجح القوى الدولية والإقليمية في إبقاء الصراع في إطار الرسائل والضغط المتبادل، أو أن أي خطأ في الحسابات قد يقود إلى انزلاق العراق ليصبح نقطة اشتباك خطيرة في الصراع الإقليمي.
المحللون العراقيون يعتقدون أن تقديم التقييم الأمني العاجل إلى السوداني يعكس قناعة رسمية بأن العراق لم يعد بمنأى عن تطورات الصراع. وهو ما يتطلب من الحكومة ليس فقط تعزيز قدراتها الدفاعية، بل أيضاً تكثيف الجهود الدبلوماسية لمنع استخدام الأراضي العراقية كساحة مواجهة مفتوحة.
ويرى بعضهم أن بناء منظومة دفاع جوي متكاملة يشكل خطوة أولى لكنها غير كافية، إذ يحتاج العراق إلى استراتيجية شاملة تجمع بين الردع العسكري والتحرك السياسي، لضمان عدم تحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل.