نيويورك ـ رياض محمد
مدينة نيويورك ـ وقد عشت فيها حوالي 4 سنوات – هي العاصمة الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة واكبر مدينة من حيث السكان – حوالي 8 ملايين ونصف - وفيها مقرات اهم المصارف والعديد من الشركات الكبرى. الاهم من هذا وذاك تحتضن نيويورك مقرات شبكات التلفزة الكبرى وعددا من اهم صحف الولايات المتحدة. فمثلا مقرات الـ أن بي سي والـ سي بي أس والـ أي بي سي، بالاضافة الى الـ نيويورك تايمز والـ وول ستريت جورنال كلها في نيويورك. ووسائل الاعلام الرئيسية هذه هي التي تقود الرأي العام في الولايات المتحدة.
نيويورك، مدينة ديمقراطية بشكل عام باستثناء جيوب جمهورية صغيرة هنا وهناك. هذه القناعة الديمقراطية لدى سكان نيويورك نابعة من نمط الحياة الخاص بهذه المدينة. وهو نمط فريد من نوعه بل أكاد أقول متطرف في فرادته. تقسم نيويورك الى 5 قطاعات إدارية كبرى، 4 من هذه القطاعات هي في الحقيقة جزر على ساحل المحيط الأطلسي، لنأخذ قطاع كوينز الذي عشت فيه لسنوات.
كوينز يمر بها قطار رقم 7 الذي يقطعها من الغرب في مانهاتن الى الشرق في حي فلاشنغ. ولعدة مرات قطعت المسافة التي يقطعها القطار مشيا على الاقدام. يدخل القطار الى كوينز في منطقة تكاد توصف بانها صناعية وفيها عدة جيوب للافارقة ثم يصل الى حي غالبية سكانه من الأيرلنديين، ثم يدخل الى مساحة صغيرة تسمى الفلبين الصغيرة وفيها مطاعم ومحلات فلبينية، ثم يبدا بالدخول الى سلسلة أحياء لاتينية تبدا ببعض المحلات الكوبية تليها قطاعات كولومبية وأكوادورية ومكسيكية وعند وصوله الى جاكسون هايتس يدخل لجيب جنوب آسيوي فيه أسواق ومطاعم هندية وباكستانية وبنغالية وافغانية وتبتية، بالإضافة الى جناح تايلندي صغير. وما ان يصل فلاشنغ حيث محطته الاخيرة حتى يوصلك الى اكبر تجمع صيني في امريكا الشمالية مصحوبا بجيب كوري ويحيط به مساحة كبيرة من الاحياء اليهودية. واذا اردت ان تترك القطار رقم 7 في كوينز بلازا وتأخذ قطارا اخر الى حي استوريا سيأخذك الى حي اصوله يونانية وايطالية لكنه يضم اليوم جيبا عربيا يدعى مصر الصغيرة فيه محلات ومطاعم ومقاهي الاركيلة المصرية واليمنية والمغربية، بالاضافة الى جناح برازيلي صغير. اما اذا اردت ان تترك القطار رقم 7 في جاكسون هايتس وتاخذ قطارا الى حي جامايكا فسيمر القطار بحي نصف روسي ونصف يهودي وستجد يهودا روس بالإضافة الى يهود من ايران وأذربيجان وغيرها من جمهوريات القوقاز، ثم سينتهي القطار بك الى حي افريقي كثير من سكانه من جامايكا.
هذا التنوع الديموغرافي ليس له اي نظير لا في الولايات المتحدة ولا في اي مكان في العالم، وهو احد اهم اسباب جاذبية مدينة نيويورك. ولا عجب ابدا لاختيار نيويورك كمقر للأمم المتحدة. في كوينز وحدها يتكلم السكان 130 لغة. في مدينة واحدة تسافر في قارات الارض وتستمتع بسياحة عجيبة بين اغلب شعوب العالم، وتتعرف إلى عاداتهم وثقافاتهم ولغاتهم ومأكولاتهم. كل هذا في مدى لا يتجاوز أميال.
هذا التنوع الرهيب الذي تحقق بفعل الهجرة المتواصلة على مدى عقود طويلة خلق شخصية تميل الى السياسات الديمقراطية التي تحافظ على الخدمات الاجتماعية – فبدونها يموت فقراء نيويورك من الجوع وهم خمس سكانها - وتشجع التنوع والحريات الفردية كالمثلية الجنسية والحق في الاجهاض وكثير غيرها. كما ان النيويوركي متعود على الاكتظاظ فهو دائما يجاور 100 نيويوركي اخر في عربة القطار او الباص او المطعم او حتى في الشارع.
وهكذا فالعاملون في وسائل الاعلام الكبرى ومقرات كثيرة منها في نيويورك هم ديمقراطيون بالفطرة وتنعكس اراؤهم الليبرالية في ما يكتبون وينتجون من مقالات وبرامج تلفزيونية اخبارية. كما ان نيويورك هي مسرح عدد غير قليل من اشهر مسلسلات امريكا مثل (الاصدقاء) و(الجنس والمدينة) و(ساينفيلد) بل حتى برامج الاطفال مثل (شارع سمسم) الذي انتج منه نسخة معربة هي (افتح ياسمسم).
في نيويورك يمشي الناس كل يوم عدة أميال في طريقهم الى العمل حيث يجبرهم استخدام المترو على ذلك بالإضافة الى التخطيط الحضري للمدينة المبنية قبل قرون عديدة ومصممة لتشجع الناس على المشي.
نيويورك مدينة النساء الأولى ففيها اجمل نساء الأرض من روسيات وأوكرانيات وبولنديات الى اللاتينيات واليهوديات والفليبينيات واغلبهن عازبات ولا يرغبن في الزواج، ويشتكين من اهمال الرجال لهن، لان أعدادهن تفوق أعداد الرجال.